Feeds:
المقالات
التعليقات

Archive for 29 مارس، 2007

لكل قادم ننتظره أو نتوقعه موقف من جانبنا، وهذا الموقف قد يكون مبشراً بأفضل النتائج أو داعياً لضرر يؤثر على مصالح مصيرية.

فحدثٌ نتوقعه بسابق من التصورات ومزيد من الثقة بها، فتأتي نتائجه مخالفة لبعض أو كل هذه التصورات، فيترتب عليها نتائج تقدر آثارها بحساب الربح أو الخسارة.

وهذا القادم يلازم حياتنا جميعاً حيث ما مضى تم إدراكه وإن تفاوت هذا الإدراك، والحاضر نعايشه بوسائلنا الذكية وأحياناً غير ذلك، أما المستقبل فهو حاضن لكثير مما نتوقعه أو لا نتوقعه، ولكنه قادم سيحل بنا ويفعل بما يؤثر على مصالح لنا.

ولا أحد بقادر أن يقدم صورة فوتوغرافية تجسد ما هو قادم، فما من سبيل إلا الحدس والتوقع. والعناصر التي يصح معها هذا الحدس لما هو قادم لا تتحمل تصورات بإصرار مسبق حيث إن التصور ليس انعكاساً دقيقاً لما هو قادم بقدر ما هو تعبير لإحساس حاضر؛ فهو لا يشير لا من قريب ولا بعيد لشيء من ملامح هذا القادم يمكن أن تقوى به قدرة التفاعل معه وما يحمله من مجهول تسبقه مثل هذه التصورات التي قد يضطرب معها استعدادنا المطلوب سواء كان مادياً أو نفسياً تعززه قدرة التحليل وتميّز الخطط والحلول.

ومن العناصر التي تجعل من الحدس قوة مؤثرة أو على الأقل مناسبة لما هو قادم تلك التي تقابله معززة بنتائج ما حللنا بصدده وخططنا من أجله وفق إرادة تنجز لا تتردد أو تتراجع حيث المحصلة تدفع بها بعيداً عن أوهام التصورات وما يصاحبها من ثقة لا أساس لها.

والقادم يفرض آلية لقدومه، وأخرى لاستقباله، فهو حدث قادم ليفعل شيئاً يغيره أو يهدمه أو يعين على بنائه، وهذا له تأثيره على من اندفع نحوه، وهذا القادم متى اعتمد فهمنا واستعدادنا له على سابق من تصورات فإن رد الفعل وكذلك ما نتوقعه محصلته واحدة.

وبعد ذلك لابد من الإشارة للقصد من سابق التصورات بيقين التفوق وفرق هذا عن حالة التحليل، ومن ثم الخطة التي توجه القوة بمنطلق الاستجابة التي تعقبها الإرادة بالتحدي؛ فالتصورات متى اعتمدت على فكر وحقائق ومعطيات تاريخية وجغرافية وإنسانية مهدت لمحاولة تحليل فالخطة، كما أن التصورات التي تسبق مثل هذا الجهد، أو تتجاوزه لابد أن تكون معتمدة على مصدر كوسيلة نحو الهدف، فإذا تجاوزت ما سبق الإشارة إليه، أو سقطت من الحسبان فإنها ترتد على الذات (ذات الشيء – مثال ذلك: الإنسان وقوته) لتكون هي الحالة التي تنسج تفاصيل تلك التصورات، فهل هي وهم أم لها واقع وسند فكري وأخلاقي يجمع كل الخيوط لانبعاث الإرادة التي بها تصل الحركة للهدف بعد دراسة كل ما يتعلق به، وتحليل مكونات وأسباب النجاح أو الفشل، بمعنى آخر إن حركة الإنسان بدافع الوجدان فقط ستكون حبيسة له ترى الهدف، وتقرأ تفاصيله بتأثيره، أما الحركة بدافع الوجدان والعقل معاً فهو الدافع الذي يصنع رؤية أقرب لئن تكون الحركة ذات فعل يحقق مطالب إيجابية حيث تقل معها نسبة الفشل، والتصورات بوهم مسبق دائرته ما يمتلكه الإنسان من إمكانيات يرى أن لها مفعولاً سيحقق النجاح على طرف آخر دون أن يلم بالدراسة والتحليل والتخطيط لكل ما يتعلق به كهدف، وهذا ما قصدته حول التصور الذي يسبق الفعل بثقة فيما يتصور والنتائج المترتبة على ذلك.

وقد تُغري القوة بفرض رؤية معينة أو تحقيق مصلحة ما على حساب طرف آخر لأسباب مقتنع بها صاحب هذه القوة، ولكنها قد تكون أسباباً تفتقر إلى منطلق يبشر بالنجاح حيث إن ذلك استجابة لمعطيات من القوة التي يملكها ويعظمها، فتنمو مشاعر التحدي لفرض قوته على الآخر من واقع ثقته بقوته، وليس من خلال فهم الإنسان الهدف الذي تندفع مشاعر التحدي نحوه، والإنسان الهدف العنصر الأهم والمهم، وفهم مكونات وجدانه وعقله وتاريخه أساس يعتمد عليه، وليس على سابق من تصورات عنه يُعتمدُ عليها بحسابات تملّك القوة المادية فيحيل حركته إلى حركة حول نفس المكان الذي تنطلق منه لتعود مشبعة بفشل واضح، فالاستجابة بالوجدان لها حال، والاستجابة بالوجدان والعقل والكثير من التفاصيل تحقق من النتائج ما يختلف عن إنجاز وسيلته سابق التصور والعمل بموجبه، فالحركة بحسابات القوة فقط يقين لا يقين به.

هذه قراءة نظرية ذات طابع عام، وعلى المستوى العملي أو من خلال أمثلة تقع أو قد وقعت، فإن استعراض مثال واحد قد يوضح القصد. الولايات المتحدة الأمريكية لا يجادل أحد على أنها في يومنا هذا هي الدولة المهيمنة على كل ما تريد، أو تريده مصالح لها، وحين قررت قيادتها الاحتلال أو الغزو… الخ سواء في أفغانستان أو العراق، ومن خلال النتائج الماثلة أمامنا في يومنا هذا فربما أن هذه القيادة اعتمدت على خطط صاغها رجال محسوب كل منهم على أكبر دولة في عصرنا الحديث فهم كبار، مضاف إلى ذلك الحلفاء والمؤيدون والمستفيدون من غنائم الغزو، والبعض لا غنائم له ولكنه مجبر أن يشارك.

وما أعتقده أن شيئاً له علاقة بهذا لم يخطر على بال أي أمريكي أو من هو حليف لهذا الغزو، بأنّ الخطط ستأتي بنتائج لا يريدونها ولم تكن في الحسبان، وإن كان من سبب لذلك فهو التداخل ما بين التصور والتخطيط، وتأثير هذا المزيج على الحدث بجانب رغبات من عمل معهم ودافعه مصالح شخصية، أو بغرض الانتقام، أولئك الذين اعتمدوا على التصور بعيداً عن حقائق يؤكدها التاريخ، وهو عبرة الماضي وعجز في التعامل مع حاضر لم يدرس أحد تفاصيله كما يجب.

فالعام الرابع على هذا الاحتلال نتائجه أمام الأنظار، وما يشد الانتباه بعد هذه الفترة أمران، الأول: ويتعلق بقوة أمريكا التي تأثرت بما هو في دائرة التصور بتداخل مع الخطط ليؤكد أنها لم تتوقع ولو بعضاً من النتائج التي تمخضت عن الغزو، فلو توقعت تفاصيل ما يحدث لما شاهدنا جثامين نعرف عدد البعض منها، أما الحقيقة فلقد حجبت عنا. وبجانب هذا الجرحى من جنودهم حيث يتم علاجهم في مصحات عدة من العالم التابع لهم. كما أن إبعاد وزير الدفاع الأمريكي له دلالة مهمة، واستقالة وزير الخارجية كذلك، وتقلب البعض من منصب إلى آخر، أو تعيين الجديد. فهذا كله يعكس خللاً ما مرتبط بتأثير التصورات على المخطط. كما أن المنطلق لهذا الغزو وهو معروف لدى الجميع، أو ما تردد من ادعاءات لأسبابه، ومنها ما يتكرر ويطول ترديده حول إرهاب لم يُعرّف أو تُحدد معالمه، والنتيجة أن جعلوا من الأرض التي يحتلونها بؤرة للإرهاب الذي نعرفه نحن، وليس ما هو هلامي كما يرغبون من خلال تجاهل المعنى وتحديد التعريف.

والثاني: أكتفي بأن أشير إلى آخر ما سمعناه ورأيناه من مظاهرات ضد الحرب تمت في دول عدة بما في ذلك أكثر من ولاية أمريكية، كما أن مجالس التشريع الأمريكية لم توافق على مطالب القيادة بأكثر من مئة وعشرين مليار دولار كمددٍ عسكري بشروط زمن الانسحاب، وعودة جيش هو الأقوى إلى دياره في فترة لا تتجاوز نهاية الشهر الثالث من العام الميلادي القادم.

وللمزيد من الشواهد نذكر ما قاله قبل أيام السيد (مسعود البرزاني) حاكم إقليم (كردستان) العراقي، ولما قاله أهمية كبرى حيث قال في مؤتمر صحفي، أو في حديث بلا مؤتمر صحفي حين تطرق إلى حالة الأمن في إقليمه وبقية الأقاليم من أرض العراق، فأكد أن أسباب فقدان الأمن والقتل يعود إلى أسباب ثلاثة: أخطاء ارتكبتها قوات الاحتلال، وكذلك أخطاء بعض من العراقيين دون تحديد أسماء، وأخيراً إتاحة الفرصة للإرهاب وجنوده ليؤذوا أمن العراق بكثافة وجودهم. فما يتم على أيديهم حيث القتل المجنون وبالأعداد التي تجاوزت عدد القتلى في الحروب النظامية. ومهما تكن حصيلة كل قول حول ما يجري فإن أهدافهم باءت بالفشل سواء في أفغانستان أو العرق، ودلائل ذلك واضحة، وجلية بالنسبة للمواطن الأمريكي والعراقي وكذلك الأفغاني حيث مسرح الأحداث.

ومع إدراكي للمؤسسة بقوانينها وحدودها وأنظمتها التي بها تحكم الولايات المتحدة الأمركية إلا أن نظرة فاحصة على أحداث السنوات التي على وشك أن تكتمل وفق برنامج الانتخاب فقد يجد قائد هذه الدولة أنه ما بين الحرص على إنجاز يعوض بعضاً مما فشل فيه إلا أن عامل الزمن لا يتناسب في مدته مع جهد كبير كهذا فتزيد مؤثرات من وهم التصور لتطغى على حكمة التخطيط فيزيد بلاء منطقتنا من كل حركة يقدم عليها ولا سيما أن قصته مع هذه المنطقة من العالم لم تنته، وما تم ليس إلا مسودة يلزمها الكثير من جهد التصحيح والعمل على تناغم أحداثها، ومن يرقب رد الفعل لدى القيادة بعد قرارات مجالسهم التشريعية حول ما خصص كمدد عسكري بشروط جدولة الانسحاب قد يقرأ شيئاً من آفاق المستقبل متى ابتعد عن وهم التصورات وحدق بحدة بصره وبصيرته. والزمن قادم وهو خير شاهد على أن سابق تلك التصورات حول القوة التي يمتلكونها، وبأنها قادرة على الحسم طغى على كل مخطط بجانب ثقتهم بما يتصورونه مسبقاً حول تاريخ وأهل ما تم احتلاله من الأرض الذي اعتمد في معظمه على غير الحقيقة.

ومن ناحية أخرى وعلى هامش ما أكتب لا أجد مبرراً ولا معنى لتصريح سمعنا به من مسؤول كبير في المؤسسة الحاكمة قال به وهو في طريقه بل على وشك اللقاء بالمسؤول الأول عن موضوع التصريح، واعتبر أن هذا التصريح لا يعبر عن شيء بقدر ما يؤكد أن رأس الدبلوماسية في هذه المؤسسة الحاكمة قد تجاوز كل الحدود اللازم احترامها بين الدول المستقلة، ولكن التصريح بصرف النظر عن أي رأي لنا في موضوعه فأبسط ما يقال عنه أنه اقحام واقتحام أخذت به تصورات مسبقة لحالة القوة وغرور من يملكها، وهي قوة لم توجهها يد حكيمة، ففي مراحل سابقة تجاوزت هذه اليد أبسط ما يتوجب من حدود اللياقة بين الحلفاء والذي له تاريخ قديم ومع ذلك قيل عنه أنه شاخ وعجز، ومثل هذا القول مبعثه نفس الوهم بأثر التصورات، وأخيراً كل قوي يتوجه بقوته لأنها قوة دون حس إنساني تدعونا أن نأسف عليها ونصد عدوانها وفق المستطاع، والبشرية في وضعها الحالي ومن خلال التقارب فيما بين أبناء المعمورة لها من التمنيات والأمل بما هو مصدر لاستقرار ينعم به الجميع، أو بحد أدنى من دبلوماسية التفاهم.

Read Full Post »