Feeds:
المقالات
التعليقات

Archive for 29 مارس, 2007

لكل قادم ننتظره أو نتوقعه موقف من جانبنا، وهذا الموقف قد يكون مبشراً بأفضل النتائج أو داعياً لضرر يؤثر على مصالح مصيرية.

فحدثٌ نتوقعه بسابق من التصورات ومزيد من الثقة بها، فتأتي نتائجه مخالفة لبعض أو كل هذه التصورات، فيترتب عليها نتائج تقدر آثارها بحساب الربح أو الخسارة.

وهذا القادم يلازم حياتنا جميعاً حيث ما مضى تم إدراكه وإن تفاوت هذا الإدراك، والحاضر نعايشه بوسائلنا الذكية وأحياناً غير ذلك، أما المستقبل فهو حاضن لكثير مما نتوقعه أو لا نتوقعه، ولكنه قادم سيحل بنا ويفعل بما يؤثر على مصالح لنا.

ولا أحد بقادر أن يقدم صورة فوتوغرافية تجسد ما هو قادم، فما من سبيل إلا الحدس والتوقع. والعناصر التي يصح معها هذا الحدس لما هو قادم لا تتحمل تصورات بإصرار مسبق حيث إن التصور ليس انعكاساً دقيقاً لما هو قادم بقدر ما هو تعبير لإحساس حاضر؛ فهو لا يشير لا من قريب ولا بعيد لشيء من ملامح هذا القادم يمكن أن تقوى به قدرة التفاعل معه وما يحمله من مجهول تسبقه مثل هذه التصورات التي قد يضطرب معها استعدادنا المطلوب سواء كان مادياً أو نفسياً تعززه قدرة التحليل وتميّز الخطط والحلول.

ومن العناصر التي تجعل من الحدس قوة مؤثرة أو على الأقل مناسبة لما هو قادم تلك التي تقابله معززة بنتائج ما حللنا بصدده وخططنا من أجله وفق إرادة تنجز لا تتردد أو تتراجع حيث المحصلة تدفع بها بعيداً عن أوهام التصورات وما يصاحبها من ثقة لا أساس لها.

والقادم يفرض آلية لقدومه، وأخرى لاستقباله، فهو حدث قادم ليفعل شيئاً يغيره أو يهدمه أو يعين على بنائه، وهذا له تأثيره على من اندفع نحوه، وهذا القادم متى اعتمد فهمنا واستعدادنا له على سابق من تصورات فإن رد الفعل وكذلك ما نتوقعه محصلته واحدة.

وبعد ذلك لابد من الإشارة للقصد من سابق التصورات بيقين التفوق وفرق هذا عن حالة التحليل، ومن ثم الخطة التي توجه القوة بمنطلق الاستجابة التي تعقبها الإرادة بالتحدي؛ فالتصورات متى اعتمدت على فكر وحقائق ومعطيات تاريخية وجغرافية وإنسانية مهدت لمحاولة تحليل فالخطة، كما أن التصورات التي تسبق مثل هذا الجهد، أو تتجاوزه لابد أن تكون معتمدة على مصدر كوسيلة نحو الهدف، فإذا تجاوزت ما سبق الإشارة إليه، أو سقطت من الحسبان فإنها ترتد على الذات (ذات الشيء – مثال ذلك: الإنسان وقوته) لتكون هي الحالة التي تنسج تفاصيل تلك التصورات، فهل هي وهم أم لها واقع وسند فكري وأخلاقي يجمع كل الخيوط لانبعاث الإرادة التي بها تصل الحركة للهدف بعد دراسة كل ما يتعلق به، وتحليل مكونات وأسباب النجاح أو الفشل، بمعنى آخر إن حركة الإنسان بدافع الوجدان فقط ستكون حبيسة له ترى الهدف، وتقرأ تفاصيله بتأثيره، أما الحركة بدافع الوجدان والعقل معاً فهو الدافع الذي يصنع رؤية أقرب لئن تكون الحركة ذات فعل يحقق مطالب إيجابية حيث تقل معها نسبة الفشل، والتصورات بوهم مسبق دائرته ما يمتلكه الإنسان من إمكانيات يرى أن لها مفعولاً سيحقق النجاح على طرف آخر دون أن يلم بالدراسة والتحليل والتخطيط لكل ما يتعلق به كهدف، وهذا ما قصدته حول التصور الذي يسبق الفعل بثقة فيما يتصور والنتائج المترتبة على ذلك.

وقد تُغري القوة بفرض رؤية معينة أو تحقيق مصلحة ما على حساب طرف آخر لأسباب مقتنع بها صاحب هذه القوة، ولكنها قد تكون أسباباً تفتقر إلى منطلق يبشر بالنجاح حيث إن ذلك استجابة لمعطيات من القوة التي يملكها ويعظمها، فتنمو مشاعر التحدي لفرض قوته على الآخر من واقع ثقته بقوته، وليس من خلال فهم الإنسان الهدف الذي تندفع مشاعر التحدي نحوه، والإنسان الهدف العنصر الأهم والمهم، وفهم مكونات وجدانه وعقله وتاريخه أساس يعتمد عليه، وليس على سابق من تصورات عنه يُعتمدُ عليها بحسابات تملّك القوة المادية فيحيل حركته إلى حركة حول نفس المكان الذي تنطلق منه لتعود مشبعة بفشل واضح، فالاستجابة بالوجدان لها حال، والاستجابة بالوجدان والعقل والكثير من التفاصيل تحقق من النتائج ما يختلف عن إنجاز وسيلته سابق التصور والعمل بموجبه، فالحركة بحسابات القوة فقط يقين لا يقين به.

هذه قراءة نظرية ذات طابع عام، وعلى المستوى العملي أو من خلال أمثلة تقع أو قد وقعت، فإن استعراض مثال واحد قد يوضح القصد. الولايات المتحدة الأمريكية لا يجادل أحد على أنها في يومنا هذا هي الدولة المهيمنة على كل ما تريد، أو تريده مصالح لها، وحين قررت قيادتها الاحتلال أو الغزو… الخ سواء في أفغانستان أو العراق، ومن خلال النتائج الماثلة أمامنا في يومنا هذا فربما أن هذه القيادة اعتمدت على خطط صاغها رجال محسوب كل منهم على أكبر دولة في عصرنا الحديث فهم كبار، مضاف إلى ذلك الحلفاء والمؤيدون والمستفيدون من غنائم الغزو، والبعض لا غنائم له ولكنه مجبر أن يشارك.

وما أعتقده أن شيئاً له علاقة بهذا لم يخطر على بال أي أمريكي أو من هو حليف لهذا الغزو، بأنّ الخطط ستأتي بنتائج لا يريدونها ولم تكن في الحسبان، وإن كان من سبب لذلك فهو التداخل ما بين التصور والتخطيط، وتأثير هذا المزيج على الحدث بجانب رغبات من عمل معهم ودافعه مصالح شخصية، أو بغرض الانتقام، أولئك الذين اعتمدوا على التصور بعيداً عن حقائق يؤكدها التاريخ، وهو عبرة الماضي وعجز في التعامل مع حاضر لم يدرس أحد تفاصيله كما يجب.

فالعام الرابع على هذا الاحتلال نتائجه أمام الأنظار، وما يشد الانتباه بعد هذه الفترة أمران، الأول: ويتعلق بقوة أمريكا التي تأثرت بما هو في دائرة التصور بتداخل مع الخطط ليؤكد أنها لم تتوقع ولو بعضاً من النتائج التي تمخضت عن الغزو، فلو توقعت تفاصيل ما يحدث لما شاهدنا جثامين نعرف عدد البعض منها، أما الحقيقة فلقد حجبت عنا. وبجانب هذا الجرحى من جنودهم حيث يتم علاجهم في مصحات عدة من العالم التابع لهم. كما أن إبعاد وزير الدفاع الأمريكي له دلالة مهمة، واستقالة وزير الخارجية كذلك، وتقلب البعض من منصب إلى آخر، أو تعيين الجديد. فهذا كله يعكس خللاً ما مرتبط بتأثير التصورات على المخطط. كما أن المنطلق لهذا الغزو وهو معروف لدى الجميع، أو ما تردد من ادعاءات لأسبابه، ومنها ما يتكرر ويطول ترديده حول إرهاب لم يُعرّف أو تُحدد معالمه، والنتيجة أن جعلوا من الأرض التي يحتلونها بؤرة للإرهاب الذي نعرفه نحن، وليس ما هو هلامي كما يرغبون من خلال تجاهل المعنى وتحديد التعريف.

والثاني: أكتفي بأن أشير إلى آخر ما سمعناه ورأيناه من مظاهرات ضد الحرب تمت في دول عدة بما في ذلك أكثر من ولاية أمريكية، كما أن مجالس التشريع الأمريكية لم توافق على مطالب القيادة بأكثر من مئة وعشرين مليار دولار كمددٍ عسكري بشروط زمن الانسحاب، وعودة جيش هو الأقوى إلى دياره في فترة لا تتجاوز نهاية الشهر الثالث من العام الميلادي القادم.

وللمزيد من الشواهد نذكر ما قاله قبل أيام السيد (مسعود البرزاني) حاكم إقليم (كردستان) العراقي، ولما قاله أهمية كبرى حيث قال في مؤتمر صحفي، أو في حديث بلا مؤتمر صحفي حين تطرق إلى حالة الأمن في إقليمه وبقية الأقاليم من أرض العراق، فأكد أن أسباب فقدان الأمن والقتل يعود إلى أسباب ثلاثة: أخطاء ارتكبتها قوات الاحتلال، وكذلك أخطاء بعض من العراقيين دون تحديد أسماء، وأخيراً إتاحة الفرصة للإرهاب وجنوده ليؤذوا أمن العراق بكثافة وجودهم. فما يتم على أيديهم حيث القتل المجنون وبالأعداد التي تجاوزت عدد القتلى في الحروب النظامية. ومهما تكن حصيلة كل قول حول ما يجري فإن أهدافهم باءت بالفشل سواء في أفغانستان أو العرق، ودلائل ذلك واضحة، وجلية بالنسبة للمواطن الأمريكي والعراقي وكذلك الأفغاني حيث مسرح الأحداث.

ومع إدراكي للمؤسسة بقوانينها وحدودها وأنظمتها التي بها تحكم الولايات المتحدة الأمركية إلا أن نظرة فاحصة على أحداث السنوات التي على وشك أن تكتمل وفق برنامج الانتخاب فقد يجد قائد هذه الدولة أنه ما بين الحرص على إنجاز يعوض بعضاً مما فشل فيه إلا أن عامل الزمن لا يتناسب في مدته مع جهد كبير كهذا فتزيد مؤثرات من وهم التصور لتطغى على حكمة التخطيط فيزيد بلاء منطقتنا من كل حركة يقدم عليها ولا سيما أن قصته مع هذه المنطقة من العالم لم تنته، وما تم ليس إلا مسودة يلزمها الكثير من جهد التصحيح والعمل على تناغم أحداثها، ومن يرقب رد الفعل لدى القيادة بعد قرارات مجالسهم التشريعية حول ما خصص كمدد عسكري بشروط جدولة الانسحاب قد يقرأ شيئاً من آفاق المستقبل متى ابتعد عن وهم التصورات وحدق بحدة بصره وبصيرته. والزمن قادم وهو خير شاهد على أن سابق تلك التصورات حول القوة التي يمتلكونها، وبأنها قادرة على الحسم طغى على كل مخطط بجانب ثقتهم بما يتصورونه مسبقاً حول تاريخ وأهل ما تم احتلاله من الأرض الذي اعتمد في معظمه على غير الحقيقة.

ومن ناحية أخرى وعلى هامش ما أكتب لا أجد مبرراً ولا معنى لتصريح سمعنا به من مسؤول كبير في المؤسسة الحاكمة قال به وهو في طريقه بل على وشك اللقاء بالمسؤول الأول عن موضوع التصريح، واعتبر أن هذا التصريح لا يعبر عن شيء بقدر ما يؤكد أن رأس الدبلوماسية في هذه المؤسسة الحاكمة قد تجاوز كل الحدود اللازم احترامها بين الدول المستقلة، ولكن التصريح بصرف النظر عن أي رأي لنا في موضوعه فأبسط ما يقال عنه أنه اقحام واقتحام أخذت به تصورات مسبقة لحالة القوة وغرور من يملكها، وهي قوة لم توجهها يد حكيمة، ففي مراحل سابقة تجاوزت هذه اليد أبسط ما يتوجب من حدود اللياقة بين الحلفاء والذي له تاريخ قديم ومع ذلك قيل عنه أنه شاخ وعجز، ومثل هذا القول مبعثه نفس الوهم بأثر التصورات، وأخيراً كل قوي يتوجه بقوته لأنها قوة دون حس إنساني تدعونا أن نأسف عليها ونصد عدوانها وفق المستطاع، والبشرية في وضعها الحالي ومن خلال التقارب فيما بين أبناء المعمورة لها من التمنيات والأمل بما هو مصدر لاستقرار ينعم به الجميع، أو بحد أدنى من دبلوماسية التفاهم.

Read Full Post »

أي محاولة لفهم آيات رب العالمين وما جاء به الوحي العظيم لا معنى لها إلا بشروط لا بد من توفرها لهذا الفهم وأسبابه، وكذلك الدافع والهدف. ومنطلق هذا التصور فيما يتعلق بالعلم الحديث قائم على أن جميع اكتشافات هذا العلم لا تؤكد ما جاء به الوحي، والعكس هو الصحيح؛ فالقرآن معجزة كبرى وليس من معجزة تؤكد إعجازه، وبالنسبة لما جاء به العلم الحديث وسبق بيانه في القرآن الكريم فإن العائد لا يأتي بجديد أكثر من كونه مصدراً للتأمل والإيمان حيث قال الحق عز وجل: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}.(1)

وقوله سبحانه:{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ} (2)

وقوله تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ} (3) وقوله سبحانه: {وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (4)

ولعل من يتأمل بفهم جيد هذه الآيات الكريمة يزداد إيمانه إيماناً، ويقوى فكره بما يتأمل، وهذا لا يؤدي إلى استنباط لمن يقول بالإعجاز العلمي في القرآن.

فالإنسان بما كُلِّفَ به وفي خلقه وتركيبة جسمه ونفسه وعقله الأولى بأن يكون موضوعاً للإعجاز، وذلك أمر لا يحسب على الإعجاز العلمي في القرآن وشواهد ذلك ما سبق من آيات كريمة حيث أمر عز وجل بالتأمل والتبصر في قوله: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} (21) سورة الذاريات.

وكل ما في القرآن من آيات حول العلم بكامل فروعه داعٍ للإيمان، وتلك حقائق إيمانية؛ فهو كتاب هداية قبل كل شيء، والنصوص الأدق واللائقة بالقرآن الكريم وبالعلم لا شح فيها.

ولعل الدكتور (مصطفى محمود) أدرك ذلك فكان الربط بعيداً عن هذا المسمى، فاختار لبرنامجه وما يكتبه مسمى (العلم والإيمان)، وإكمالاً لهذا لنتأمل آيات الحق سبحانه في الإنسان الذي ذكر القرآن عنه قوله عز وجل: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (5) وقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (6)

وفي هذا التكريم وما هو أحسن تقويم يتأكد معه شيء من المعجزات القرآنية وعن خلق الإنسان قوله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ} (7)

وفي قوله عز وجل: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}(8)

ولكن الإنسان لحم وعظم فأين الطين؟

كل ما في جسم الإنسان من حيث تكوينه الجسدي مكون من معادن طبيعية في أصلها من الطين والتراب؛ فالأرض هي الأصل والإنسان منها الفرع، والعقل والإدراك والإحساس وكل ما هو في دائرته ما كان ليكون إلا حين نفخت فيه الروح، وجسم الإنسان خلية، وهي الأساس وفيها كل العناصر التي يتكون منها جسم الإنسان كجسد، وفي لسان العرب والمنجد فإنّ معنى الخلية لغوياً: الحجرة المغلقة.

ومن آياته في خلق الإنسان ما يتعلق بالجملة العصبية التي تتكون من الجملة العصبية المركزية والأعصاب، وتتكون الجملة العصبية المركزية من الدماغ والنخاع الشوكي، ويتألف الدماغ من المخ والمخيخ والجذع الدماغي، ومن عظمته ما شاء الحق سبحانه أن جعل عدد الخلايا الدماغية أربع عشرة مليار خلية عصبية، تسعة مليار منها في المخ وحده، وخمسة مليار في باقي أنحاء الجملة العصبية، وقد يتكامل هذا العرض باستعراض نبذة عن النوم؛ فالنوم ليس جسداً يتمدد على سريره فقط بل إن ذلك وظيفة تمرّ بمراحل معقدة لا تعتمد على الكم فقط بقدر اعتمادها على الكيف، ومتى اضطرب شيء من وظيفة النوم أدى إلى بعض من اضطراب الإنسان في نفسه وعمله، ومثال ذلك من نام لساعات طويلة قد تبلغ ما يزيد على اثنتي عشرة ساعة في بعض الحالات، ويتبين لمن يشاهده نائماً أنه يغط في نوم عميق، إلا أن واقع الأمر غير ذلك، وهذا ما يفسر الفرق بين الكيف والكم؛ فمن هذا حاله يشعر بالنعاس دوماً، وقد يحدث ذلك أثناء سجوده للصلاة، أو حين توقفه أمام إشارة المرور إلى جانب أعراض جانبية منها ما يصيب الجهاز الدوري الدموي والذاكرة والقدرة الجنسية..الخ.

ومن يعاني من هذه الأعراض يتأثر حضوره لعمله وكذلك أدائه، ويتهم بالكسل والإهمال، أو بتعاطي ما هو محرم. ويصاحب ذلك حالة من القلق الذي قد يكون بداية إلى ما هو أعقد، وأخيراً في مجال النوم أصبح ممكناً التشخيص والعلاج.

وبفضل من الله أن زود جسم الإنسان بجهاز المناعة ليعمل دون تدخل منا ودون أن ندري في معظم الأحيان؛ فحين دخول جسم غريب في جسم الإنسان لا يمكن له الاستقرار إلا بعد أن يقرر جهاز المناعة قبوله، ويتم ذلك من خلال انعدام حالة الرفض التي لو تمت أحسسنا بها، كما أن الجسم الغريب كالجرثومة أو غير ذلك متى رفضه جهاز المناعة صنع جسماً مضاداً على شكل الجسم الغريب، فإن كان مثلثاً فالمضاد له مثلث ذو سعة تمكنه من احتواء الجسم الغريب والقضاء عليه، وإن كان مربعاً أو دائرياً أو أي شكل يكون فالجسم المضاد يطابق شكل الجسم الغريب بإحكام يمكنه من التهامه؛ فالعملية تشبه مفتاحاً وقفلاً، ولا يفتح القفل إلا بمفتاحه الذي تتطابق أسنانه مع ممر القفل.

وهذا كله ليس بمعجز على الخالق سبحانه، وكون العلم الحديث قد اكتشف شيئاً من ذلك فهو شيء لا يعبر عنه من يقول بالإعجاز العلمي في القرآن؛ فالخالق سبحانه رب العلم، ومنزل الوحي العظيم، والأمر لا يتجاوز أن الاكتشافات العلمية كتاب يُفسر حقائق ثابتة مؤكدة في القرآن الكريم، وهو ليس بإعجاز على قادر قدير وإن توارى المعنى من خلال مصطلح الإعجاز العلمي في القرآن.

وقد يرى غيري صواب المسمى في المعنى والهدف، غير أن قدسية القرآن وما جاء فيه إعجاز لا شك حوله يتطلب تبرير أي مقارنة مستنتجة بين العلم والقرآن الكريم، ومن اعتمد على هذا المسمى فقد يأتي من يقول بالإعجاز اللغوي في القرآن، أو في الجانب التشريعي، وهكذا بينما القرآن بكامله إعجاز مطلق لا يؤكد معجزته تجزئة كتلك، ومن المتفق عليه أن آيات القرآن يفسرها القرآن بكامله؛ فما هو بَيِّنٌ في سورة ما يزداد وضوحه في الأخرى. وبهذا المثل نؤكد وحدة القرآن كمعجزة متكاملة وشاملة لا يجوز معها أي تجزئة، حتى وإن حسنت النية، وهذا ما أجزم به كما أجزم بنبل الهدف.

ولا أظن أن بإمكاني اقتراح البديل حيث أئمة علوم القرآن وكذلك اللغة العربية الأقدر على ذلك.

(1) سورة الذاريات، آية (21)

(2) سورة فصلت، آية (53)

(3) سورة الذاريات، آية (20)

(4) سورة الجاثية، آية (13)

(5) سورة التين، آية (4)

(6) سورة الإسراء آية (70)

(7) سورة المؤمنون، آية (12)

(8) سورة طه، آية (55)

Read Full Post »

حينما يجوع الإنسان ويحسّ بدواعيه سيجد ما يأكله وإن لم يكن كما يشتهي البعض، وإن عطش فالماء ليس بعيداً عنه، أما الجوع الروحي بما يشتمل عليه ويؤثر به فقد يحسّ به إنسان، ويبحث عن مصادر للإشباع، وآخر قد لا يحسّ به فيعيش حياته معتمداً على طبعه المكتسب دونما أثر للفطرة فيحيا وفق ما يشتهي، وكما يروق له، وفي كلتا الحالتين فللوعي دورٌ في ذلك. والتفكر بموضوعية فيما يتعلق بالجانب الروحي سيأتي بنتيجة تحددها محصلة التفكر نحو هدف محدد رصيده مفعول الإرادة، ومن الأمثلة على هذا الجرّاح الفرنسي (موريس بوكاي)، فبداعي الحاجة والطبع والفرص التي أتيحت له وساعدت سعيه وتأملاته، بدأ بدراسة متعمقة قارن من خلالها بين اليهودية والمسيحية فالإسلام، وهاجسه علوم العصر بهدف المقارنة فيما بينهم وجانب العلوم الحديثة، ومن الصدف التي أشرنا إليها أنه شارك كجرّاح في معالجة عطب أصاب مومياء الفرعون (منفتاح) وهو (فرعون موسى) كما عرف بفرعون الخروج، والمحصلة لهذا كله نجدها في كتابه القيّم، حيث رصد من خلال ما توصل إليه استنتاج يرى فيه أن القرآن الكريم أكد حقائق علمية بأفضل وأبلغ من بقية ما درس، وعبّر عن انبهاره بأمور جاء بها القرآن، واجتهد العلم الحديث في اكتشافها في العصر الحديث ومن ذلك: علم الأجنة، ونشأة الكون، والفلك، وكذلك الأرض وعلوم الحياة، بالإضافة إلى خلق الإنسان.. إلخ.

وعن مومياء (فرعون موسى) والتي يدرك مدى السنين التي مرت عليها محنطة وسليمة، وحين قارن ذلك بما جاء به القرآن الكريم في سورة يونس: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} «92» ولقد قطعت الدراسات الطبية استحالة بقاء جثة ذلك الفرعون في الماء طويلاً قبل تحنيطها، واستدل من ذلك على مدى الاتفاق بين ما ورد في (القرآن الكريم) والعلم الحديث، فقد تعرض (القرآن الكريم) لمصير جثمان (فرعون)، وأكدّ بقاءها وحفظها رغم غرقه كعبرة للأجيال، وهذا ما جاء في الآية الكريمة السابق ذكرها، كما أن (موريس بوكاي) قد ذكر أن البشرية وقت نزول (القرآن الكريم) لا تعرف شيئاً عن قيام قدماء المصريين بتحنيط الجثث، ومن خلال ما سبق فإن المقارنة مدعاة للإيمان وطريق إلى اليقين، وفي زيارة طبية إلى السعودية حرص على مناقشة كل ما يمكنه من الإلمام بما جاء في القرآن الكريم حول غرق فرعون (موسى) ثم بقاء بدنه سليماً كعبرة للأجيال من بعده، وهو الذي كان على دراية سابقة برواية (الكتاب المقدس) عن غرق (فرعون)، ومثار دهشته أن القرآن الكريم الذي قرر هذه الحقيقة التي لم تعرفها البشرية إلا في هذه القرون الأخيرة من خلال تطور الكشوفات الأثرية.

ومما استنتجه بقناعة وإيمان تأكيده أن الإسلام لم يصطدم بالعلم بل حرضَ عليه، ودعا للتأمل والبحث في أمور الكون والإنسان، كما أنه يدرك من خلال ما قال به في محاضرته من أن (القرآن الكريم) قبل كل شيء كتاب هداية، وما تعرض له حول الكون والإنسان يأتي وفق هذا السياق كدافع للإيمان وفق آيات عظيمة فيما خلق.

وحول نشأة الكون فقد استوقفته الآية {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}«30» سورة الأنبياء، ثم قارن ذلك بما جاء به العلم الحديث حيث وجد السبق فيما جاء به القرآن، وما أكده من معطيات العلم الحديث.

وتجدر الإشارة إلى أن تأليف الكتاب حول (القرآن الكريم، والإنجيل والتوراة) والعلم، وكذلك تفاصيل بحوثه ومقارنة ذلك ب(القرآن الكريم) تمّ قبل إسلامه، ولكنه خلال الفترة قد تعلم اللغة العربية، وأتذكر رسالة تلقيتها منه يعتذر من خلالها عن حضور المؤتمر الطبي السعودي الثامن الذي استضافه الحرس الوطني في عام (1983-1984)، وكنت بخط يده وباللغة العربية، وكان وقتها طريح الفراش في أحد مستشفيات باريس، وحين أسلم بعد ذلك فإنّ إسلامه تمّ بعد تمحيص اعتمد على رصيد من البحث، وربّما فهمٌ لآيات (القرآن الكريم)، ومن خلال ذلك أحسّ باليقين الذي امتلأت به نفسه اطمئناناً، واستقر به عقله، وربّما أن بعضاً من القلق الذي عانى منه كان اليقين طارداً له والذي كان دافعاً للسؤال والبحث والتأمل، ويتضح ذلك من خلال العديد من محاضراته في أكثر من مكان، ومع صفوة من العلماء مبشراً وداعياً للهداية التي منبعها روح القرآن الكريم مستعيناً بتجربته التي عانى فيها من الكثير المتمكن من استنتاجاتٍ سليمة كانت هي والفطرة السبيل إلى اليقين فعاش ما بقي من حياته ما بين مهنته كجرّاح، وما كان يبشّر به من خلال محاضراته.

إن هذه نبذة قصيرة عن الرجل والمراحل التي لم تفلت من يده، فبها اهتدى وسعى لهداية غيره.

Read Full Post »

ننسى فيتذكرُ غيرنا، وحينما ننسى وحاضرنا يلحقُ به أكثر من سؤال قياساً بماضٍ أشرق برموزٍ من علمائه؛ فإن النسيان في هذه الحالة له من الأثر السلبي الكثير وأكثر، وعن علمائنا قد استفاد الغير من تجاربهم وخبراتهم وعلومهم وبما كانوا رواداً في مجاله من العلوم، ولقد قال المؤرخ (غوستاف لوبون) عن كتاب القانون للشيخ الرئيس (ابن سينا): (لقد اعتمدت أوروبا على مرجعية هذا الكتاب ما يزيدُ على ستمائة سنة). لقد كانوا علماء في الطب، وعلوم في النفس والدين والفلسفة. لهم ابتكارات أخذ بناصيتها مِنْ غير أمتي فَطَوّرَهُ، وإذ نؤكد ذلك بألم وحسرة لنؤكد أيضاً أن الأساس كان رصيده من نتاج هؤلاء العلماء، وهم كثيرون، ومنهم إلى جانب (ابن سيناء)، (ابن رشد، والفارابي، والغزالي، وأبوبكر الرازي، والكندي، وغيرهم الكثير)، ومما يلفت النظر أن روسيا أنشأت مجمعاً علمياً باسم (ابن سينا) وكذلك إسبانيا (أندلس الأمس) تُقيمُ مركزاً للبحوث العلمية باسم (ابن رشد) باعتباره جزءاً من حضارتها، فنحنُ من نسيَ أهلاً نحنُ أحفادهم وغيرنا يتذكرهم، ويشيد بأسمائهم مجامع ومراكز بحوث، ولهذا دلالته.

لقد أنهيتُ دراستي بمراحلها المختلفة، ولا أتذكر أن منهاجاً خاصاً عن هؤلاء وما أنجزوا قد دُرّسَ لنا، أو أنه كان أحد المناهج المعتمدة اللهم ما قرأناه عن أحدهم في صفحة أو أكثر بقليل في كتاب المطالعة على الرغم من أن الربط بين علومٍ نتعلمها في الحاضر، وأساسها من الماضي وروادها منا فإن المنطق يحتم مثل هذا الرابط.

إن مسؤولية من قرأ الماضي ورموزه أن يؤكد ما كان لجيلٍ اعتمد على الرفاهية المستوردة، وأن حاضرهم له أساس من الماضي المتلازم وتاريخ أمته.

وعن (ابن سينا) فقد كان طبيباً وجراحاً، وله اهتمام بالغ بعلوم النفس، كما أتقن عدداً من اللغات اليونانية واللاتينية والعبرية، وكان من حوله ستمائة طبيب يساعده، ولقد درب ما يزيد على ثلاثة آلاف طبيب، وكان أول من اكتشف أثر العامل النفسي كسبب لبعض الأمراض العقلية، وهو من يعتبر المؤسس الأول للطب السيكوسوماتي، وذلك في بيان أن أمراض الجسد وثيقة الصلة بالاضطرابات النفسية، وخلال عصر (ابن سينا 380هـ) انتشرت المصحات العقلية في مناطق شتى حيث إنه أول من طبق العمليات الجراحية في مجال الأمراض العقلية، وحقق من النجاح ما اعتبره من جاء بعد مرجعاً أخذ حقه من التطور.

أما (ابن رشد 1126 – 1198م) فلقد كان عالماً وطبيباً وفيلسوفاً، ومن يتذكر كتابه، وهو مرجع مهم، والمسمى ب(الكليات)، الذي تضمن أهم نظرياته الطبية حيث صنف من خلالها الأمراض العقلية الحادة، والمزمن منها. وهو الذي قال: (إن أساس المرض ومنطلقه الدماغ والبطن).

ما سبق نبذة قصيرة جداً عن اثنين من علماء عصرٍ زاهٍ ومشرق، لا يمكن تجاهله، أو أن يغيب عن ذاكرة كل العصور، والأمر ليس بالتذكر، ولكن بالأثر والبحث، والبحث فيه. وهذا يدفع بالجهد نحو مزيدٍ من الثقة والأمل لمستقبلٍ نستحقه، وإن خذله حاضر مؤلم فالماضي كان إبداعاً وتطوراً في علوم الحياة وعلوم الدين.

ومن يتذكر الماضي، وبالذات أحسنه لا بد أن يتعلم شيئاً عن مبادئ ذلك العصر، أو على الأقل أن تكون قيمته المعنوية كذاكرة تستوعب الحاضر وآفاق المستقبل متى أخذنا بتوجهٍ يقتدي بماضيه ومعطيات عصره.

وتمجيد الماضي كهدف هو انقلابٌ على كل حركة واجتهاد نأمل لهما التوفيق وفق منهاج التفوق والنجاح، فالماضي عبرةٌ ومرجع بما احتواه من إنجازٍ إنساني محسوب على حضارة الإنسان.

إن الماضي الذي لا يرفع من شأن الإنسان في جهده واهتماماته لا يستحق أن يكون كتاباً نقرأ فيه ما يُمهدُ لآفاق المستقبل برشدٍ وحكمة، وماضي أمتي ليس كذلك ولم يكن؛ فكتابهم كان الأجمل زاخراً بأساس البحث العلمي، ومصحوباً بنتائج وإنجازات أخذ بها الغير فطورها، وكانت هي من أعان طموحه نحو التقدم والازدهار، كما يتميز ماضينا بما احتوى من حس روحي تدفعُ به عقيدة الإيمان بما أوحت به السماء على رسول الحق صلى الله عليه وسلم.

يا أمتي إن سبيل الهداية ونورها، ودوافع التقدم لكل مخلوق من الإنس والجن أنزل وحياً، وبلسانٍ عربي على أفضل من خُلق من البشر، وهو العربي الأمي ذو الرسالة الشاملة الكاملة بهداية الخالق عز وجل حيث شرف هذه الأمة بأعباء الرسالة والعمل على نشرها.

إن الماضي وكما أشرت ليس داعياً للتذكر دوماً، وفي حالاتٍ معينة فإن دعوته والإصغاء لذاكرته أمر له انعكاس على أبناء الجيل، وعلى الأمة بشكل عام، فقد يبلغ الأثر من المكانة ما يؤكد أنها هوية يُعرفُ بها ابن الأمة، كما أن ذلك يؤكد الالتزام بمسؤولية البناء كما بدأ، وليتطور وفق تطور العصر؛ فليس كل ماضٍ بماضٍ وحسب؛ فجذورنا ممتدة من هناك وحتى نقطة النهاية وفق الممكن فيما نرى من ملامح المستقبل لنتبين الطريق والوسائل، ونحدد المسؤولية من عمار الأرض، كما أن ذلك تأكيد للمكانة اللائقة بأمة كان هذا ماضيها، وهي مسؤولة عن كل ما يتعلق بحاضرها، ويمهد لمستقبلها، ونبراس ذلك التقدم نحو مستقبلٍ مشرق بإذن الله.

Read Full Post »

الهبوط من موقع إلى آخر له قانونه؛ فهو هبوط من الأعلى إلى الأسفل من حيث المكان وفق جاذبية الأسفل لما يأتي من الأعلى، وهذا ما جاء به قانون الجاذبية، والارتفاع من الأسفل إلى الأعلى ما كان ليتم إلا بأثر هذا القانون، وما أعدّ معه من أسباب تُمكنُ منه، وهو بالنسبة لبعض الكائنات الحية مخلوقٌ وجزء من التكوين. فيما سبق مدخلٌ للجانب الآخر من الموضوع، وهو الجانب المعنوي حيث السقوط إلى أعلى حين يتورط فيه أحد أبناء المجتمع أياً كان مكانه أو وطنه، حيث الوسيلة والأثر إنسانٌ انحرف عن الطريق السوي، الأمر الذي يؤدي إلى أذى يؤثر في أمن واستقرار أي مجتمع، إنه السقوط إلى أعلى.

ومن خلال بعض الأمثلة التي نستعرضها يتبين معنى السقوط إلى أعلى بالأثر والنتيجة، ولأنه ذو طابع معنوي فهو غير خاضع لقانون الجاذبية، ولكنه يخضع لفوضى النفوس حين تنحرف.

ومن الأمثلة رجلٌ تدنى سلوكه فلا قيم ولا أخلاق كريمة، ولا انتماء روحي يصون الأساس من تكوينه؛ فمكانه من الجريمة بمثابة أبيها وابنها، وسبيله في ذلك التمويه والخداع، فقد يأتي من يقول لنا إنه شاهد الرجل نفسه إماماً يصلي بعددٍ من الأخيار حينها سنقول إنه السقوط إلى أعلى.

ومثال آخر لرجلٍ أبحر بعمق في بحور الفساد، وحتى يحقق ذاته في مجتمعه نجده قد تلبّس من الدين بالمظهر، به يأمر وينهي، وواقع الحال أنه يخدع نفسه ومجتمعه، وهذا ما يؤكد أن ضميره في حالة من الخمول فالتزم الصمت فلا دور له نأمل معه الهداية فالتوبة.

ومن الأمثلة أيضاً من يستبيح المحارم فيشعر بالنشوة فيما توهم أنه لذة بينما اللذة والنشوة بها تكون بما يؤيدها من المشروع والحلال الذي في حد ذاته انتصار على أهواء النفس، وهذا تلازم بين الرغبة والالتزام بما هو مشروع وحلال لأن ذلك ينسجم والمكونات الروحية في نفس الإنسان السوي، وغير ذلك سقوط إلى الأعلى.

ومما يزيد المعنى وضوحاً ذلك الطالب الذي أوشك على إنهاء مرحلته الابتدائية، وجاء من يقول إنه شاهده يحاضر على طلبة جامعيين بحجة عدم وجود أستاذ المادة، وإن لم تكن تلك طرفة فهي حالة من حالات السقوط إلى الأعلى.

كذلك من جاء يشتكي من عطلٍ حدث لعربته، وازدادت الشكوى بعد أن عاد بها من مهندسٍ ادعى القدرة على إصلاحها، وهو الذي أفسد شيئاً فيها وهذا نمط آخر من السقوط إلى أعلى.

ومن الملاحظ في وضع كهذا أن حالة السقوط إلى أعلى ومن ينتسب إليها أداة هدم لأنهم يضعون المجتمع في حالة لا استقرار معها؛ فهو بين الخشية ووقوع الحدث، وفي ذلك ما يؤذي أمنه واستقراره.

وسوء السلوك كنتيجة لهذا السقوط حالة دخيلة على مجتمع ملتزم ومحافظ بوعي وإدراك، ويتبين ذلك لمن يسبر حالتهم النفسية فإن بدت حالهم منتشية بما فعلوا، فحقيقة الأمر أن تراكم الأخطاء لابد يوماً أن تظهر معه أعراض المعاناة، إما في نفسه أو عقله فهو الذي قد صمت ضميره طويلاً وتراجع عن أداء الدور المعتاد، والذي به تستقيم الكثير من أمورنا.

وهذا رهنٌ بصحوة الضمير فيما لو حدث، وإن كان نادراً أن يحدث، وليس بنادرٍ حدوث خلل يصيب النفس أو العقل، وهذه بعض من الاحتمالات فمثل هؤلاء في أمس الحاجة إلى صحوة الضمير وتفعيل الإرادة بعونٍ من المجتمع لتهيئتهم نفسياً وعقلياً لتكون أمورهم أقرب إلى الصواب.

ولابد هنا من تأكيد غلبة اليأس على التفاؤل بتحسن أوضاعهم، وما سبق أتى بمنظور متفائل، ومن يمارس السقوط إلى أعلى لديه حالة من الغرور بلا سبب أو مبرر، ويفتقر في دواعيه وإن أخذ به الوهم الذي يبرر به غروره، وهذه إحدى الظواهر التي تصاحب حالة السقوط إلى أعلى.

والغرور أمره مرفوض إلا أننا أمام حالة يحكمها الانحراف حيث لا شيء غيره يمكن اعتباره؛ فالانحراف داعٍ ملح إلى المزيد ولا سيما أن الضمير في حالة من الخمول أو الصمت، والإرادة لا شيء يستنهض من قدرتها لمن تورط في الانحراف.

وبعيد عن التشاؤم أو التحامل فمن يدرك مآسي حالات السقوط إلى أعلى، ويتعرف على خفاياها سيُدرك ما وراء هذا القول؛ فالفرد وفق سلوكه قادرٌ على إضافة ما يغني أمن وسلام المجتمع أو العكس.

ومن يملك مثل هذا الحس لهو قادر على التصالح مع النفس والنأي بها عما يزعج السوي من السلوك، وهو الأقرب إلى الصواب حتى لا نكلف أنفسنا، أو نكلف أبناء المجتمع الذي ننتمي إليه بما هو في غنى عنه، بل ما هو مُعطّل وداعٍ للجمود والتخلف. والصواب كل الصواب مكمنه المنهاج القرآني الذي بفهمه تستقيم أمورنا دنيا وآخرة.

Read Full Post »