Feeds:
المقالات
التعليقات

Archive for 11 مارس، 2007

ننسى فيتذكرُ غيرنا، وحينما ننسى وحاضرنا يلحقُ به أكثر من سؤال قياساً بماضٍ أشرق برموزٍ من علمائه؛ فإن النسيان في هذه الحالة له من الأثر السلبي الكثير وأكثر، وعن علمائنا قد استفاد الغير من تجاربهم وخبراتهم وعلومهم وبما كانوا رواداً في مجاله من العلوم، ولقد قال المؤرخ (غوستاف لوبون) عن كتاب القانون للشيخ الرئيس (ابن سينا): (لقد اعتمدت أوروبا على مرجعية هذا الكتاب ما يزيدُ على ستمائة سنة). لقد كانوا علماء في الطب، وعلوم في النفس والدين والفلسفة. لهم ابتكارات أخذ بناصيتها مِنْ غير أمتي فَطَوّرَهُ، وإذ نؤكد ذلك بألم وحسرة لنؤكد أيضاً أن الأساس كان رصيده من نتاج هؤلاء العلماء، وهم كثيرون، ومنهم إلى جانب (ابن سيناء)، (ابن رشد، والفارابي، والغزالي، وأبوبكر الرازي، والكندي، وغيرهم الكثير)، ومما يلفت النظر أن روسيا أنشأت مجمعاً علمياً باسم (ابن سينا) وكذلك إسبانيا (أندلس الأمس) تُقيمُ مركزاً للبحوث العلمية باسم (ابن رشد) باعتباره جزءاً من حضارتها، فنحنُ من نسيَ أهلاً نحنُ أحفادهم وغيرنا يتذكرهم، ويشيد بأسمائهم مجامع ومراكز بحوث، ولهذا دلالته.

لقد أنهيتُ دراستي بمراحلها المختلفة، ولا أتذكر أن منهاجاً خاصاً عن هؤلاء وما أنجزوا قد دُرّسَ لنا، أو أنه كان أحد المناهج المعتمدة اللهم ما قرأناه عن أحدهم في صفحة أو أكثر بقليل في كتاب المطالعة على الرغم من أن الربط بين علومٍ نتعلمها في الحاضر، وأساسها من الماضي وروادها منا فإن المنطق يحتم مثل هذا الرابط.

إن مسؤولية من قرأ الماضي ورموزه أن يؤكد ما كان لجيلٍ اعتمد على الرفاهية المستوردة، وأن حاضرهم له أساس من الماضي المتلازم وتاريخ أمته.

وعن (ابن سينا) فقد كان طبيباً وجراحاً، وله اهتمام بالغ بعلوم النفس، كما أتقن عدداً من اللغات اليونانية واللاتينية والعبرية، وكان من حوله ستمائة طبيب يساعده، ولقد درب ما يزيد على ثلاثة آلاف طبيب، وكان أول من اكتشف أثر العامل النفسي كسبب لبعض الأمراض العقلية، وهو من يعتبر المؤسس الأول للطب السيكوسوماتي، وذلك في بيان أن أمراض الجسد وثيقة الصلة بالاضطرابات النفسية، وخلال عصر (ابن سينا 380هـ) انتشرت المصحات العقلية في مناطق شتى حيث إنه أول من طبق العمليات الجراحية في مجال الأمراض العقلية، وحقق من النجاح ما اعتبره من جاء بعد مرجعاً أخذ حقه من التطور.

أما (ابن رشد 1126 – 1198م) فلقد كان عالماً وطبيباً وفيلسوفاً، ومن يتذكر كتابه، وهو مرجع مهم، والمسمى ب(الكليات)، الذي تضمن أهم نظرياته الطبية حيث صنف من خلالها الأمراض العقلية الحادة، والمزمن منها. وهو الذي قال: (إن أساس المرض ومنطلقه الدماغ والبطن).

ما سبق نبذة قصيرة جداً عن اثنين من علماء عصرٍ زاهٍ ومشرق، لا يمكن تجاهله، أو أن يغيب عن ذاكرة كل العصور، والأمر ليس بالتذكر، ولكن بالأثر والبحث، والبحث فيه. وهذا يدفع بالجهد نحو مزيدٍ من الثقة والأمل لمستقبلٍ نستحقه، وإن خذله حاضر مؤلم فالماضي كان إبداعاً وتطوراً في علوم الحياة وعلوم الدين.

ومن يتذكر الماضي، وبالذات أحسنه لا بد أن يتعلم شيئاً عن مبادئ ذلك العصر، أو على الأقل أن تكون قيمته المعنوية كذاكرة تستوعب الحاضر وآفاق المستقبل متى أخذنا بتوجهٍ يقتدي بماضيه ومعطيات عصره.

وتمجيد الماضي كهدف هو انقلابٌ على كل حركة واجتهاد نأمل لهما التوفيق وفق منهاج التفوق والنجاح، فالماضي عبرةٌ ومرجع بما احتواه من إنجازٍ إنساني محسوب على حضارة الإنسان.

إن الماضي الذي لا يرفع من شأن الإنسان في جهده واهتماماته لا يستحق أن يكون كتاباً نقرأ فيه ما يُمهدُ لآفاق المستقبل برشدٍ وحكمة، وماضي أمتي ليس كذلك ولم يكن؛ فكتابهم كان الأجمل زاخراً بأساس البحث العلمي، ومصحوباً بنتائج وإنجازات أخذ بها الغير فطورها، وكانت هي من أعان طموحه نحو التقدم والازدهار، كما يتميز ماضينا بما احتوى من حس روحي تدفعُ به عقيدة الإيمان بما أوحت به السماء على رسول الحق صلى الله عليه وسلم.

يا أمتي إن سبيل الهداية ونورها، ودوافع التقدم لكل مخلوق من الإنس والجن أنزل وحياً، وبلسانٍ عربي على أفضل من خُلق من البشر، وهو العربي الأمي ذو الرسالة الشاملة الكاملة بهداية الخالق عز وجل حيث شرف هذه الأمة بأعباء الرسالة والعمل على نشرها.

إن الماضي وكما أشرت ليس داعياً للتذكر دوماً، وفي حالاتٍ معينة فإن دعوته والإصغاء لذاكرته أمر له انعكاس على أبناء الجيل، وعلى الأمة بشكل عام، فقد يبلغ الأثر من المكانة ما يؤكد أنها هوية يُعرفُ بها ابن الأمة، كما أن ذلك يؤكد الالتزام بمسؤولية البناء كما بدأ، وليتطور وفق تطور العصر؛ فليس كل ماضٍ بماضٍ وحسب؛ فجذورنا ممتدة من هناك وحتى نقطة النهاية وفق الممكن فيما نرى من ملامح المستقبل لنتبين الطريق والوسائل، ونحدد المسؤولية من عمار الأرض، كما أن ذلك تأكيد للمكانة اللائقة بأمة كان هذا ماضيها، وهي مسؤولة عن كل ما يتعلق بحاضرها، ويمهد لمستقبلها، ونبراس ذلك التقدم نحو مستقبلٍ مشرق بإذن الله.

Read Full Post »